✍️ بقلم: عبد السميع جميل
في حفل تتدشين مؤسسة تكوين بالمتحف المصري الكبير بعنوان "خمسون عامًا على رحيل طه حسين"، أطلق الكاتبان يوسف زيدان وفراس السواح تصريحات أثارت جدلاً واسعًا، حيث زعما أنهما "أفضل" من عميد الأدب العربي، طه حسين، استنادا إلى النجاح التجاري وسرعة مبيعات كتبهما مقارنة بمبيعات كتب العميد في عصره!. هذا الادعاء يكشف عن التحول المثير في معايير التقييم الأدبي والفكري اليوم، حيث تُقاس القيمة الثقافية بمؤشرات بـ "الريتش" وأرقام المبيعات والانتشار السريع، على غرار سوق أغاني المهرجانات الشعبية، بدلاً من جودة المحتوى وعمقه وتأثيره المستدام.
لكن بعيدًا عن الهجوم العكسي المتسرع ضد زيدان والسواح، في سبيل الدفاع عن الدكتور طه حسين، ينبغي الإشارة بهدوء تام إلى نقاط بسيطة وموجزة للغاية تكشف بوضوح شديد استحالة المقارنة بينهما وبين أحد أعظم رموز النهضة الثقافية المصرية.
حتى بالأرقام .. طه حسين يكسب
إذا بدأنا بمقياس الأرقام، فإن كتاب "الأيام" لطه حسين، وتحديدًا الجزء الأول منه، يُعد أكثر انتشارًا وتأثيرًا من مجموع إنتاج يوسف زيدان وفراس السواح. يكفي أن نعلم أن هذا العمل الأدبي الرائع، الذي أصبح مقررًا دراسيًا في المدارس المصرية منذ عقود، كُتب في تسعة أيام فقط! ومع ذلك، فإن عظمة طه حسين لا تكمن فقط في غزارة إنتاجه الأدبي والفكري، ومدى انتشاره، بل في إرثه الذي لا يزال حيًا وفاعلًا في تشكيل ملامح الثقافة العربية، وهو ما تجلى في أعمال جميع رموز الأدب والفكر والفلسفة والدين والتاريخ في مصر والعالم العربي حتى يومنا هذا.
طه حسين لم يكن مجرد كاتب أو أديب؛ كان رجل دولة ومصلحًا اجتماعيًا وصاحب رؤية تنويرية تركت أثرها في مجالات شتى. فإلى جانب إسهاماته الأدبية، يُعتبر طه حسين "أبو الجامعات المصرية"، حيث لعب دورًا رئيسيًا في تأسيس جامعة عين شمس، الإسكندرية، وأسيوط. وقد أنشأ جامعة المنصورة، مقابل وجبة غداء!
فعل ما لم يفعله أي مثقف في مصر
طه حسين هو أيضًا الرجل الذي جعل التعليم متاحًا للجميع، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو الجنس. كان له الدور الأكبر في إدخال البنات إلى الجامعة لأول مرة في تاريخ مصر، كما قاد جهود تعميم التعليم الابتدائي والثانوي المجاني، وهو الأساس الذي توسعت عليه فكرة مجانية التعليم الجامعي في عهد عبد الناصر.
ولا ننسى أنه كان أول مصري يحصل على درجة الدكتوراه، بل حصل على سبع درجات دكتوراه من أبرز الجامعات العالمية. كما رُشِّح لجائزة نوبل للأدب أكثر من 21 مرة، وهو تكريم يُبرز عمق تأثيره على المستوى العالمي.
تحدى المستحيل!
ليس أعظم ما في قصة طه حسين شجاعته الشخصية. ولا كونه شابًا صعيديًا كفيفًا نشأ في ظروف الفقر، ومع ذلك تمكن من تحدي كل الصعاب ليصبح ليس فقط أكاديميًا بارزًا، بل فيلسوفًا وأديبًا وصحفيًا وسياسيًا ووزيرًا أثر في تاريخ مصر بأكمله، فتلك إشارات لنقاط بسيطة وموجزة للغاية عن عظمته ربما تكشف فقط الفارق الهائل بينه وبين غيره.
خارج المنافسة
من الظلم أن نختصر قيمة الأدب والفكر في مؤشرات تجارية. فالأعمال العظيمة هي تلك التي تبقى خالدة في الوجدان الإنساني، تؤثر في تشكيل الوعي وتنير العقول عبر الأجيال. طه حسين لم يكن مجرد كاتب ناجح؛ كان منارة ثقافية تُلهم الجميع. وعليه، فإن أي مقارنة بينه وبين غيره لا ينبغي أن تُبنى على أرقام المبيعات، بل على عمق الأثر وخلود الإبداع.
طه حسين ليس فقط عميد الأدب العربي، بل هو رمز لعظمة الفكر والتجديد في مصر والعالم العربي، وهو معيار من الصعب أن يُضاهى.
يهمك أيضاً:


طه حسين لا يقارن بصراحة
ردحذف