‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مقالات. إظهار كافة الرسائل

العوا يكشف قناعه الإخواني: أنا صاحب شعار "الإسلام هو الحل" .. والهلالي خارج عن الملة!



كتب - عبد السميع جميل

كلما ظننت أن عجلة الزمن تدور إلى الأمام، حاملة معها فرص التغيير والتطوير في أكثر الوجوه تشدداً في صفوف الجماعات الدينية المتطرفة، تباغتني صفعة الواقع المؤلم لتعيدني خطوات إلى الوراء. المثال الأبرز هنا كان الدكتور محمد سليم العوا، الذي توهم البعض أن تقلبات الزمن ستجعله يعيد النظر في إرثه المتخم بالتحريض الديني وإثارة الفتن الطائفية، غير أن الرجل عاد ليذكرنا بأنه لم يتغير منذ خرج عبر قناة الجزيرة في برنامج "بلا حدود"، مدعياً أن المسيحيين في مصر يخبئون أسلحة مهربة من إسرائيل داخل الكنائس، مفجّرًا أزمة طائفية كادت تعصف بالنسيج الوطني حينها، قبل أن يتراجع تحت ضغط الغضب الشعبي زاعمًا أنه أسيء فهمه.
العوا، الذي ارتبط اسمه طويلاً بالدفاع المستميت عن الجماعات الإسلامية المتطرفة، ووقف في ساحات المحاكم مدافعًا عن محمد مرسي ومحمد بديع وقيادات الإخوان المسلمين وخلايا حزب الله في مصر، لم يتوانَ يومًا عن مهاجمة أصوات التنوير والعقلانية، ولم تثنيه هزيمته في مناظرته المجهولة مع الدكتور فرج فودة، التي سبقت اغتياله، من تكرار ذات الدور المسموم بلا مراجعة أو ندم.
اليوم، يعود العوا من بوابة منصة "ذات مصر"، متسلحًا بذات العبارات المكرورة، ليستأنف هجومه على الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذي اجتهد وأبدى رأيًا فقهيًا في قضية المساواة في المواريث، فانهال عليه العوا بوابل من الاتهامات بالتكفير، مدعيًا أن الهلالي خرج عن الملة، مطالبًا شيخ الأزهر أحمد الطيب بإحالته إلى مجلس تأديب وإجباره على الاعتذار العلني على نفس الشاشة التي أطلق منها هذه التصريحات، في مشهد يذكرنا بمحاكم التفتيش التي ظننا أن زمنها قد ولى.
في حديثه، استعاد العوا هوايته القديمة في نسج نظريات المؤامرات، زاعمًا أن الهلالي ليس سوى أداة بيد أطراف خارجية تهدف إلى النيل من الإسلام، ولمّح إلى وجود جهات تدعمه وتوجهه، مهددًا السلطة السياسية بطريقة غير مباشرة بأنها تتحمل نفس أوزاره إذا استمرت في دعمه أو السماح له بالظهور الإعلامي!، فيما يشبه ابتزاز السلطة وتحريضها على الهلالي!
الأكثر إثارة للدهشة أن العوا اعترف دون أي حرج بأنه لم يشاهد تصريحات الهلالي أصلا، مكتفيًا بما سمعه ليبني عليه جبالًا من التكفير والتحريض، دون أدنى محاولة للتثبت أو الفهم. وزاد على ذلك حين قلل من شأن الهلالي بدعوى أنه لم يقرأ له سوى مقال قديم عن حق السعاية، واعتبر نقل الهلالي لفتوى ابن عرضون في هذا المقال مثالاً على الجهل وعدم المعرفة بأصل الفتوى نفسها!.
المفارقة أن العوا استشهد بآية "فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ" في محاولة لإغلاق الباب أمام أي نقاش حول قضية المواريث، رغم أن هذه الآية نفسها وردت عقب آية الوصية التي اعتبرتها كتب الفقه منسوخة ومبدلة بآيات المواريث، وكأن العوا يناقض نفسه دون أن يدرك حجم التناقض الذي وقع فيه.
لم يكن حديث العوا خاليًا من مفاخرة بأدواره السابقة في خدمة مشروع جماعة الإخوان، فقد زعم بكل فخر أنه أول من صاغ شعار جماعة الإخوان المسلمين الشهير: "الإسلام هو الحل"، موضحًا إنه شارك في نحت هذا الشعار إلى جانب عادل حسين، وقال بلا مواربة: "هذا الشعار نحت من قبل شخصين، أنا وعادل حسين، أنا طرحت الفكرة، فأيدها".
لكن الحقيقة التي تجاهلها العوا عمدًا، أن هذا الشعار لم يكن من ابتكاره كما حاول أن يوحي، بل سبق استخدامه من قِبل خالد الزعفراني، القيادي الإخواني المنشق، الذي وضعه عنوانًا لكتابه "الإسلام هو الحل" الصادر عام 1979، أي قبل الواقعة التي أشار إليها العوا بتسع سنوات كاملة. هذا العنوان تحوّل لاحقًا إلى شعار انتخابي شهير لتحالف الإخوان مع حزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987، ثم استمر استخدامه في كل الانتخابات التالية حتى صار الشعار الحصري للجماعة بعد تجميد حزب العمل.
العوا تجاوز كل هذه الحقائق، متغافلًا أن هذا الشعار لطالما استخدم لبيع الوهم للبسطاء تحت ستار الدين، موحيًا بأن الدين يحمل حلولًا سحرية لكل مشاكلهم الحياتية من التعليم والصحة إلى الإسكان والطاقة والصرف الصحي، في حين أنها في الحقيقة مشاكل دنيوية يتطلب حلها العمل الجاد والبحث العلمي المستمر، دون إدعاء بامتلاك حل سحرية لها في أي دين من الأديان، إلا عند تجار الدين الذين يريدون استغفال الناس والتلاعب بمشاعرهم الدينية لتحقيق مكاسب سياسية.
واللافت أن العوا لم يشر إلى الشعار الأول الذي تبنته الجماعة في الانتخابات، وهو شعار كان يحمل نبرة تكفيرية واضحة: "عودي يا مصر إسلامية"، وكأن مصر قد خرجت عن دينها! ذلك الشعار الذي وضع الجماعة حينها في مأزق بالغ الحرج، دفعهم لاحقًا إلى محاولة والتستر عليه بصياغة شعار بديل، وهو ما زعم العوا أنه قام به، ليؤكد مرة أخرى أننا أمام شخصية بارعة في التجارة بالدين في السياسة.
لقاء العوا لم يكن كاشفًا بدرجة غير مسبوقة عن وجهه الإخواني المتطرف فقط، بل تجاوز ذلك ليُظهر انفصاله التام عن الواقع وإصراره على اجترار نفس الخطاب الممجوج حول ما يسميه "انتصار حماس" في عملية السابع من أكتوبر، مدعيًا أن ما حدث يفوق في أهميته وقوته حرب أكتوبر عام 1973، في تصريحات تعكس حالة إنعدام قدراته العقلية على الفهم وتبلد قلبه من الإحساس بحجم الكارثة الإنسانية والسياسية التي خلفتها تلك العملية في غزة، كارثة لا تزال تهدد بإغلاق ملف القضية الفلسطينية تماما.
لم يتوقف العوا عند هذا الحد، بل حاول تبرير مشاهد الدماء والدمار التي خلفتها العملية، زاعمًا أن "كل هذه الدماء لا تساوي شيئًا أمام استعادة الأمة جزء من كرامتها"!. فقط لمجرد انحيازه الإخواني يغض الطرف عن معاناة أهل غزة، وعن خطر التهجير المحقق، بل وعن ضياع القضية الفلسطينية برمتها، حتى أن أحد قادة حماس أقر بأنه لو كان يعلم بهذه النتائج الكارثية لما أقدم على تلك العملية منذ البداية. ورغم ذلك، يواصل العوا الدفاع، متحدثًا باسم حماس، ومؤكدًا أنها لن تتخلى عن سلاحها أبدًا، بل وستعود لتقاتل من تحت الأرض إذا اضطرت.
المثير أن العوا لم يكتفِ بتبرير ما حدث، بل راح يحرض الشعوب العربية على حكوماتها، داعيًا الأفراد والجماعات إلى "الجهاد"، مؤكدًا أن هذا الواجب لا يسقط عن عاتق الفرد!. قالها بوضوح: "الجهاد لا يسقط عن عاتق الفرد! نعم واجب الجهاد ليس على مجموع الأمة فقط". معتبرًا "الجهاد أمر واجب وليس مجرد رخصة أو إذن أو إباحة"، في تجاهل تام لتعقيدات الواقع السياسي، ومتطلبات المصالح الوطنية لكل دولة. ورغم ذلك لعب دور المحرض الذي كان يتركه للصف الثاني من الجماعة ودعا صراحة "من ليس بيده القرار أن يدفع الحكومات ومن بيده القرار من الحكام إلى الوقوف مع المقاومة في مواجهة إسرائيل".
ولم يُلمح العوا في حديث إلى التحريض على الأنظمة العربية بشكل غير مباشر، بل صرح بمهاجمة دولة الإمارات، واتهمها صراحة بالتحالف مع إسرائيل، معتبرا اعتقالها عبد الرحمن القرضاوي ابن صديقه الإخواني يوسف القرضاوي، نوع من الظلم، معتبرا تجاوزات وبذاءة وتحريض ابن القرضاوي مجرد "شطط شعراء"، في حين اعتبر اجتهاد الدكتور الهلالي، الذي يتسم بالهدوء والعقلانية، نوعًا من الشطط الذي يستوجب المحاكمة والمحاسبة. يا للعجب، كيف تنقلب الموازين وتصبح الحكمة تهمة بينما يتحول الغلو والتطرف إلى مبرر ومسوغ!

قبل أن يُشعل الهلالي جدل المواريث.. محمد عبده فجّرها: يجوز تعطيل كل مباح ثبت ضرره!



عبد السميع جِميل

في اللحظة التي أعلن فيها أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الدكتور سعد الدين الهلالي، دعوته للمساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، بدا وكأنه فتح صندوقًا مكتومًا داخل المؤسسة الدينية في مصر، صندوقًا مليئًا بالتحفظات والجمود والاتهامات بالتدليس والتكفير والملاحقات القضائية!.

 الهلالي، دعا صراحة إلى المساواة الكاملة بين الذكر والأنثى في الميراث، مستندًا – حسب تصريحه – إلى غياب نص قرآني صريح يمنع هذه المساواة، مشيرًا إلى أن تركيا قد سبقت في هذا الاتجاه منذ عام 1937، كما لفت إلى وجود نماذج مشابهة داخل المجتمع المصري، مستشهدًا بقانون المعاش رقم 148 لسنة 2019، الذي يُورّث المعاش للذكور والإناث دون تفرقة.

 وأشار أيضًا إلى أن بعض الأسر في مصر تختار طوعًا تقسيم الإرث بالتساوي بين الذكور والإناث، انطلاقًا من مبدأ التراضي، وليس الإلزام، ما يعكس - بحسب رأيه - إمكانية تقبل المجتمع لفكرة التغيير التدريجي في منظومة الإرث.


من النقاش العلمي إلى الهجوم الشخصي

هذا الطرح أشعل حريقًا واسعًا داخل أروقة المؤسسات الدينية، إذ سارعات دار الإفتاء المصرية إلى إصدار بيان رافض، معتبرة الخلط بين التبرع الفردي والتشريع العام مغالطة منهجية، مشيرة إلى أنه لا يجوز تحويل هذا الفعل الفردي إلى تشريع ملزم، ليدخل الأزهر على الخط ببيان أكثر صرامة، شدد فيه على أن أحكام الميراث من النصوص القطعية التي لا تقبل الاجتهاد، مؤكدًا أنها جزء لا يتجزأ من المنظومة الشرعية التي لا تتغير بتغيرالزمان أو المكان.

 وبلغ التصعيد ذروته عندما انزلق بيان الأزهر إلى منحى شخصي، وُصف فيه الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بأنه "غير مؤهل للافتاء أو الاجتهاد"، وأن "تجديد الفكر وعلوم الإسلام حِرفة دقيقة لا يُحسنها إلا العلماء الرَّاسخون، المشهود لهم بالديانة والتَّمكن، داخل الأروقة العِلمية، وليس على الشّاشات".

 كما أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بيانًا ناريًا لم يذكر اسم الهلالي صراحة، لكنه ذكر صفته كصاحب دعوة المساواة في الميراث، ووصفه بـ”المدلس” الذي “يعمل على تحليل الحرام وتحريم الحلال” و”التَّستُّر خلف شعارات حقوق المرأة للطعن في أحكام الإسلام”!. وزاد البيان في حدّته باتهام الهلالي بأنه صاحب "شذوذ في التفسير يعيد إنتاج الفكر التكفيري المنحرف" ويقترف “جرائم فكرية ومعرفية تستوجب المحاسبة”.

 لذلك كان طبيعيًا أن يتحول السجال من النقد العلمي إلى الهجوم الشخصي في الفضاء الإعلامي، حيث خرج أحد أساتذة الأزهر، الدكتور عبد التواب عثمان، ليصرّح في لقاء تلفزيوني بأن الردود الفكرية على الهلالي لم تعد كافية، متسائلًا: "إلى متى الصبر والانتظار على الهلالي؟"، وهي عبارة تحمل في طياتها نبرة تحريض ضمني على ضرورة اتخاذ إجراءات عقابية تتجاوز حدود النقاش العلمي، وربما حدود القانون.

 وتجلّى هذا الاتجاه بشكل أوضح عندما ترددت دعوات من بعض أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر للمطالبة بالتحقيق مع الهلالي وسحب شهادة الدكتوراه منه، غير أن الدكتور أحمد زارع، المتحدث الرسمي للجامعة نفى اتخاذ أي إجراء بالتحقيق مع الهلالي، مؤكدًا أن الجامعة "تتنصل" من تصريحاته التي "لا تمثل سوى رأيه الشخصي".


كتالوج التجديد المحير عند الإمام الطيب

المفارقة أن هذا الهجوم الحاد جاء في وقت تتحدث فيه المؤسسة الأزهرية عن ضرورة تجديد الفكر الديني، وعن أخطار الجمود في التعامل مع التراث. بل إن شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، صرّح مؤخرا في برنامجه الرمضاني "الإمام الطيب" بأن “تقديس التراث الفقهي يؤدي إلى الجمود”!. وأن "كل تجديد كان يُنظر إليه داخل الأزهر على أنه خروج على الشريعة وتفريط في الدين". ومع ذلك، لم يجد الهلالي في المؤسسة الأزهرية، التي تُنادي ظاهريًا بالتجديد، حاضنة أو حتى مساحة حوار. بل وجد نفسه في مواجهة عاصفة من الاتهامات بالتضليل ومعاداة الدين!.

 حجة الإمام الطيب هنا أنه “لا تجديد بحال من الأحوال في النصوص القطعية”. واضعًا بذلك آيات المواريث ضمن هذا الإطار المحصن من التجديد. لكن هذه الرؤية تواجهها إشكالات حقيقية “نصية وغير نصية”؛ ففي مقابل آية المواريث المعروفة: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن”، نجد آية أخرى ذات طابع إلزامي أكثر حدة، وهي آية الوصية: “كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ…”. وقد استخدم فيها النص تعبير “كُتب عليكم”، وهو أشد في الدلالة من “يوصيكم”، مما جعل بعض المفسرين مثل الطبري وداود الظاهري، يميلون إلى أن الأصل في توزيع المال بعد الموت هو الوصية، القائمة على “حرية تصرف الشخص في ماله” حتى أن كل آية من آيات المواريث تنتهي بجملة واضحة ومكررة دائمًا: "من بعد وصية يوصي بها أو دين"، وهو شرط يجعل من الوصية أولوية قبل آية المواريث التي تأتي في مرتبة تالية في حالة عدم وجود تلك الوصية، في حين ذهب فقهاء من الشافعية والحنابلة إلى أن آية الوصية منسوخة ومعطلة من الأساس بقاعدة فقهية تقول إنه “لا وصية لوارث”، وذهب غيرهم من الحنفية والمالكية إلى أنها منسوخة ومحصورة في الثلث فقط!، فأفرغوها من مضمونها الإلزامي. المفارقة هنا أن من يرفض اليوم أي اجتهاد في آيات المواريث تحت دعوى احترام “النص القطعي”، هو نفسه يستند إلى اجتهاد فقهي سابق عطّل نصًا آخر من القرآن الكريم، أو قيّده!


عمر بن الخطاب سبق الهلالي!

 التاريخ الإسلامي يعج بنماذج للاجتهاد الجريء في مواجهة النصوص القطعية عندما لم تعد تواكب الواقع. عمر بن الخطاب، أحد أبرز الصحابة، أوقف العمل بسهم “المؤلفة قلوبهم” لمصلحة اجتماعية رأى أنها تتجاوز النص، رغم ذكره الصريح في القرآن، وبرر ذلك بأن الإسلام لم يعد في حاجة لتأليف القلوب بعد أن أصبح قويًا راسخًا. وقال قولته الشهيرة: “إن رسول الله كان يتألفكما والإسلام يومئذ قليل، وقد أغنى الله الإسلام، فاذهبا فاجهدا جهدكما”. لم يعترض أحد، ولم يُتّهم عمر بالخروج عن النص، بل عُدّ اجتهاده جزءًا من عظمة فقهه ورؤيته السياسية، لكن أحدًا أيضًا لم يستثمر هذه الفلسفة في تطوير منهج التعامل مع النص.

 الامر نفسه نفعله اليوم فيما يخص آيات الرق والعبودية والجزية والغنائم التي تجاوزها الواقع رغم وجود نصوص قطعية عليها - لماذا إذن لا يُسمح بالسؤال نفسه حول آيات المواريث، وقد تبدلت أوضاع النساء وطرائق المعيشة؟


من أول مفتي إلى أول إمام للسلفية: يجوز منع كل مباح!

الشيخ محمد عبده، أول مفتي للديار المصرية، سار على النهج نفسه حين دعا لتقييد تعدد الزوجات، معتبرًا أنه ليس حكمًا إلهيًا أبديًا، لا يجوز الاجتهاد فيه، بل عُرفًا من عادات العصور القديمة يمكن تقييده أو منعه إذا ظهرت مفاسده، وقال نصًا: “وأما جواز إبطال هذه العادة، أي عادة تعدد الزوجات، فلا ريب فيه”. وأضاف: “يجوز للحاكم أو لصاحب الدين أن يمنع تعدد الزوجات والجواري صيانة للبيوت عن الفساد”.

 الأكثر إثارة هو أن هذا الموقف شاركه فيه تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا، شيخ شيوخ السلفية في مصر، الذي أكد أن التشريع الإسلامي يقبل التعديل وفق ما تقتضيه المصلحة، وقال إن منع التعدد جائز، إنطلاقا من “قاعدة جواز منع كل مباح ثبت ضرر استعماله لدى أولي الأمر!، ومنه منع حكومة مصر لصيد بعض الطيور التي تأكل حشرات الزرع..، ومنع ذبح عجول البقر أحايا للحاجة إليها في الزراعة”. الفكرة المحورية هنا هي أن التشريع في جوهره وسيلة لتحقيق المصلحة العامة، وليس غاية في ذاته.

 اليوم، يُعيد مفكرون معاصرون مثل الدكتور الهلالي والشيخ عدنان إبراهيم النظر في عدالة تقسيم الميراث، في ضوء التحول الجذري الذي طرأ على أدوار النساء الاقتصادية والاجتماعية. عدنان قال مؤخرًا إن التشريع في الميراث جاء ليحقق عدالة زمنية ارتبطت بواقع اجتماعي كانت فيه المرأة تلزم بيتها ويتحمل الرجل وحده النفقة، أما اليوم، وقد تغيّر هذا الواقع، ولم تعد المرأة حبيسة البيت ولا عالة على الرجل، بل شريك اقتصادي وممول أساسي للأسرة، ومن ثمَّ العدالة تقتضي مراجعة تلك الأحكام


العقل الأشعري عقبة أمام التجديد!

للأسف، هذا النوع من التفكير لا يجد قبولًا في العقل الأزهري، الذي يهيمن عليه الفكر الأشعري القائم على تقديم النقل على العقل، وفق قاعدة "التحسين والتقبيح نصي لا عقلي"، حيث تُفهم الأوامر الإلهية كأنها تعبدية محضة، لا تقبل النقاش ولا التغيير. بينما الحقيقة أن التشريع في جوهره، لم يُوضع عبثًا، بل وُضع ليعالج مشاكل الواقع، ويحفظ مصالح الناس، ويُراعي متغيراتهم، وعندما يتغير الواقع الاجتماعي يغير الناس تلك القوانين والتشريعات لتناسب تطور هذا المجتمع ومشكلاته الجديدة، فالشريعة ليست أحكامًا محفوظة في متحف، بل مشروع حياة حيّ، يتحرك كما يتحرك الناس، ويتطوّر كما تتطوّر مجتمعاتهم.

 السؤال الأهم اليوم لم يعد ما إذا كان الهلالي مصيبًا أو مخطئًا، بل ما إذا كنا نملك مساحة للاجتهاد الحر والنقاش الحقيقي دون أن تتحول كل محاولة للتفكير المختلف إلى تهمة بالخيانة أو التكفير. فالمجتمعات لا تتقدم بالتحجر، بل بالحوار، ولا تزدهر الشريعة بالجمود، بل بالحياة داخل الناس، لا فوق رؤوسهم.

من المعتزلة إلى ابن تيمية والشعراوي: الكوارث الطبيعية ليست غضبا من الله !


✍️ بقلم: عبد السميع جميل

بينما يتسابق العلماء لفهم كوارث الطبيعة ومواجهتها، ينشغل البعض بترويج تفسيرات خرافية للشماتة في الخصوم وتبرير عجزهم عن فهم هذه الظواهر، مثلما كان يفعل الإنسان البدائي وهو يفسر الظواهر الطبيعية بتفسيرات أسطورية؛ فالبرق والرعد والزلازل كانت تُعتبر تعبيرًا عن غضب "آلهة الشر". أما اليوم، فإن الإنسان الحديث يعتمد على العلم لفهم هذه الظواهر.

لكن المفارقة المثيرة للدهشة هي أن بعض العقليات المعاصرة لا تزال تعتمد على التفسيرات الخرافية، وتستند إلى تفسيرات لا عقلانية لآيات قرآنية مرتبطة بحالات خاصة، لإسقاطها على حالات عامة. على سبيل المثال، يستشهدون بآية: “وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا” لتبرير حدوث الكوارث. لكن العديد من المفسرين يؤكدون أن هذه الآيات محصورة بأمم سابقة، وأن التدخل الإلهي المباشر انتهى برسالة النبي محمد، وفقًا لآية: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ”.


ولذلك ذهب كثير من العلماء والمفكرين إلى أن فكرة العقاب الإلهي العام للشعوب بالكوارث الطبيعية تتعارض مع مفهوم العدل الإلهي، الذي لا يعاقب الأبرياء بجرائم لم يرتكبوها. وقد استندوا إلى حديث النبي: “إني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة”. كما أشاروا إلى أن التدخل الإلهي المباشر توقف بعد نزول التوراة، وفقًا لحديث الحاكم في المستدرك: “مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمًا، وَلَا قَرْنًا، وَلَا أُمَّةً، وَلَا أَهْلَ قَرْيَةٍ مُنْذُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ”.

الشيخ الشعراوي وابن تيمية والمعتزلة: نهاية عذاب الاستئصال

هذا ما أكد الشيخ الشعراوي في تفسيره لآية 43 من سورة القصص، حيث قال نصًا إن "عذاب الاستئصال انتهى بنزول التوراة". كما أشار ابن تيمية في كتابه "الجواب الصحيح" إلى أنه "بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار". حتى المعتزلة رفضوا فكرة التدخل الإلهي المباشر، مؤكدين أن العالم تحكمه قوانين طبيعية، كما قال القاضي عبد الجبار: “أحداث الطبيعة تحدث عن أسباب وليست عن فعل إلهي مبتدأ”.



ووفقُا لمفتي الجمهورية المصرية السابق شوقي علام، فإن “نزول البلاء لا يعني غضب الله على عباده، فقد ورد عن النبي إنه قال: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم”. ما يؤكد أن الكوارث الطبيعية قد تكون اختبارًا وفرصة للتأمل والتحسين، وليس بالضرورة عقابًا إلهيًا.

التوظيف السياسي للكوارث: لعبة الجماعات الدينية

الجماعات الدينية تستغل الكوارث الطبيعية لخدمة أهدافها السياسية.فإذا حدثت كارثة في دولة معادية لهم، ادعوا أنها "غضب إلهي"، أما إذا لحقت بهم الكارثة نفسها، زعموا أنها "ابتلاء"! وهو تناقض يشبه أمثالنا الشعبية المتناقضة التي تقول مرة: "النار مبتصبش مؤمن"، وفي مرة أخرى:"المؤمن مصاب".

حين تصبح الثقافة بالكيلو .. زيدان والسواح: "احنا أهم من طه حسين"!


✍️ بقلم: عبد السميع جميل

في حفل تتدشين مؤسسة تكوين بالمتحف المصري الكبير بعنوان "خمسون عامًا على رحيل طه حسين"، أطلق الكاتبان يوسف زيدان وفراس السواح تصريحات أثارت جدلاً واسعًا، حيث زعما أنهما "أفضل" من عميد الأدب العربي، طه حسين، استنادا إلى النجاح التجاري وسرعة مبيعات كتبهما مقارنة بمبيعات كتب العميد في عصره!. هذا الادعاء يكشف عن التحول المثير في معايير التقييم الأدبي والفكري اليوم، حيث تُقاس القيمة الثقافية بمؤشرات بـ "الريتش" وأرقام المبيعات والانتشار السريع، على غرار سوق أغاني المهرجانات الشعبية، بدلاً من جودة المحتوى وعمقه وتأثيره المستدام.



لكن بعيدًا عن الهجوم العكسي المتسرع ضد زيدان والسواح، في سبيل الدفاع عن الدكتور طه حسين، ينبغي الإشارة بهدوء تام إلى نقاط بسيطة وموجزة للغاية تكشف بوضوح شديد استحالة المقارنة بينهما وبين أحد أعظم رموز النهضة الثقافية المصرية.

حتى بالأرقام .. طه حسين يكسب

إذا بدأنا بمقياس الأرقام، فإن كتاب "الأيام" لطه حسين، وتحديدًا الجزء الأول منه، يُعد أكثر انتشارًا وتأثيرًا من مجموع إنتاج يوسف زيدان وفراس السواح. يكفي أن نعلم أن هذا العمل الأدبي الرائع، الذي أصبح مقررًا دراسيًا في المدارس المصرية منذ عقود، كُتب في تسعة أيام فقط! ومع ذلك، فإن عظمة طه حسين لا تكمن فقط في غزارة إنتاجه الأدبي والفكري، ومدى انتشاره، بل في إرثه الذي لا يزال حيًا وفاعلًا في تشكيل ملامح الثقافة العربية، وهو ما تجلى في أعمال جميع رموز الأدب والفكر والفلسفة والدين والتاريخ في مصر والعالم العربي حتى يومنا هذا.

طه حسين لم يكن مجرد كاتب أو أديب؛ كان رجل دولة ومصلحًا اجتماعيًا وصاحب رؤية تنويرية تركت أثرها في مجالات شتى. فإلى جانب إسهاماته الأدبية، يُعتبر طه حسين "أبو الجامعات المصرية"، حيث لعب دورًا رئيسيًا في تأسيس جامعة عين شمس، الإسكندرية، وأسيوط. وقد أنشأ جامعة المنصورة، مقابل وجبة غداء!

فعل ما لم يفعله أي مثقف في مصر

طه حسين هو أيضًا الرجل الذي جعل التعليم متاحًا للجميع، بغض النظر عن الطبقة الاجتماعية أو الجنس. كان له الدور الأكبر في إدخال البنات إلى الجامعة لأول مرة في تاريخ مصر، كما قاد جهود تعميم التعليم الابتدائي والثانوي المجاني، وهو الأساس الذي توسعت عليه فكرة مجانية التعليم الجامعي في عهد عبد الناصر.

ولا ننسى أنه كان أول مصري يحصل على درجة الدكتوراه، بل حصل على سبع درجات دكتوراه من أبرز الجامعات العالمية. كما رُشِّح لجائزة نوبل للأدب أكثر من 21 مرة، وهو تكريم يُبرز عمق تأثيره على المستوى العالمي.

تحدى المستحيل!

ليس أعظم ما في قصة طه حسين شجاعته الشخصية. ولا كونه شابًا صعيديًا كفيفًا نشأ في ظروف الفقر، ومع ذلك تمكن من تحدي كل الصعاب ليصبح ليس فقط أكاديميًا بارزًا، بل فيلسوفًا وأديبًا وصحفيًا وسياسيًا ووزيرًا أثر في تاريخ مصر بأكمله، فتلك إشارات لنقاط بسيطة وموجزة للغاية عن عظمته ربما تكشف فقط الفارق الهائل بينه وبين غيره.

خارج المنافسة

من الظلم أن نختصر قيمة الأدب والفكر في مؤشرات تجارية. فالأعمال العظيمة هي تلك التي تبقى خالدة في الوجدان الإنساني، تؤثر في تشكيل الوعي وتنير العقول عبر الأجيال. طه حسين لم يكن مجرد كاتب ناجح؛ كان منارة ثقافية تُلهم الجميع. وعليه، فإن أي مقارنة بينه وبين غيره لا ينبغي أن تُبنى على أرقام المبيعات، بل على عمق الأثر وخلود الإبداع.

طه حسين ليس فقط عميد الأدب العربي، بل هو رمز لعظمة الفكر والتجديد في مصر والعالم العربي، وهو معيار من الصعب أن يُضاهى.

يهمك أيضاً:



أسرع طريقة لعلاج التلبس بالجن والعفاريت .. اعتمدها أعظم فلاسفة الإسلام


يحكي الفيلسوف والأديب المعتزلي العظيم "الجاحظ" قصة مدهشة عن تصرف شديد الذكاء من أحد أصدقائه في التعامل مع أشهر الحالات الشائعة عن التلبس بالجن والعفاريت، فيقول:

بلغنا عن عقبة الأزدي أنه أتى جارية "جنت" في ليلة زفافها، إذ حدث لها تشنجات حين أراد الزوج الدخول بها، وسقطت مغشيا عليها، فأحضروا صديق الجاحظ فورًا لعلاجها وطرد الجن والعفاريت منها

وهنا طلب منهم "المعالج" إخلاء الغرفة تماما للانفراد بها وحدها، ففعلوا. وفي دقائق معدودة استطاع بحنكته وذكائه، كشف الحقيقة من الجارية نفسها، إذ قال لها: أصدقني عن نفسك وعلّي خلاصك. فقالت: إنه قد كان لي صديق وأنا في بيت أهلي، وإنهم أرادوا أن يدخلوا بي على زوجي، ولست ببكر، فخفت الفضيحة، فهل عندك من حيلة في أمري ؟ قال: نعم.

فكر الرجل في حيلة ذكية تحمي الجارية وتحفظ ماء وجه الجميع، وخرج إلى أهلها، وأخبرهم أن الجني وافق على الخروج منها، ولكنه اشترط أن يخرج من أحد أعضائها، وعليكم اختيار العضو المناسب، مع العلم أن "العضو الذي يخرج منه الجن، لا بد وأن يهلك ويفسد، فإن خرج من عينها عميت، وإن خرج من أذنها صُمت، وإن خرج من فمها خرست، وإن خرج من يدها شلت، وإن خرج من رجلها عرجت، وإن خرج من فرجها ذهبت عذريتها".

فكر أهلها في الأمر قليلا، ثم قالوا: ما نجد شيئاً أهون من ذهاب عذريتها، فأخرج الشيطان من فرجها. فأوهمهم أنه فعل، وضمن للمرأة بداية حياة جديدة مع زوجها.