✍️ بقلم: عبد السميع جميلبينما يتسابق العلماء لفهم كوارث الطبيعة ومواجهتها، ينشغل البعض بترويج تفسيرات خرافية للشماتة في الخصوم وتبرير عجزهم عن فهم هذه الظواهر، مثلما كان يفعل الإنسان البدائي وهو يفسر الظواهر الطبيعية بتفسيرات أسطورية؛ فالبرق والرعد والزلازل كانت تُعتبر تعبيرًا عن غضب "آلهة الشر". أما اليوم، فإن الإنسان الحديث يعتمد على العلم لفهم هذه الظواهر.
لكن المفارقة المثيرة للدهشة هي أن بعض العقليات المعاصرة لا تزال تعتمد على التفسيرات الخرافية، وتستند إلى تفسيرات لا عقلانية لآيات قرآنية مرتبطة بحالات خاصة، لإسقاطها على حالات عامة. على سبيل المثال، يستشهدون بآية: “وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا” لتبرير حدوث الكوارث. لكن العديد من المفسرين يؤكدون أن هذه الآيات محصورة بأمم سابقة، وأن التدخل الإلهي المباشر انتهى برسالة النبي محمد، وفقًا لآية: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ”.
ولذلك ذهب كثير من العلماء والمفكرين إلى أن فكرة العقاب الإلهي العام للشعوب بالكوارث الطبيعية تتعارض مع مفهوم العدل الإلهي، الذي لا يعاقب الأبرياء بجرائم لم يرتكبوها. وقد استندوا إلى حديث النبي: “إني سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة عامة”. كما أشاروا إلى أن التدخل الإلهي المباشر توقف بعد نزول التوراة، وفقًا لحديث الحاكم في المستدرك: “مَا أَهْلَكَ اللَّهُ قَوْمًا، وَلَا قَرْنًا، وَلَا أُمَّةً، وَلَا أَهْلَ قَرْيَةٍ مُنْذُ أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِعَذَابٍ مِنَ السَّمَاءِ”.
الشيخ الشعراوي وابن تيمية والمعتزلة: نهاية عذاب الاستئصال
هذا ما أكد الشيخ الشعراوي في تفسيره لآية 43 من سورة القصص، حيث قال نصًا إن "عذاب الاستئصال انتهى بنزول التوراة". كما أشار ابن تيمية في كتابه "الجواب الصحيح" إلى أنه "بعد نزول التوراة لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار". حتى المعتزلة رفضوا فكرة التدخل الإلهي المباشر، مؤكدين أن العالم تحكمه قوانين طبيعية، كما قال القاضي عبد الجبار: “أحداث الطبيعة تحدث عن أسباب وليست عن فعل إلهي مبتدأ”.
ووفقُا لمفتي الجمهورية المصرية السابق شوقي علام، فإن “نزول البلاء لا يعني غضب الله على عباده، فقد ورد عن النبي إنه قال: إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم”. ما يؤكد أن الكوارث الطبيعية قد تكون اختبارًا وفرصة للتأمل والتحسين، وليس بالضرورة عقابًا إلهيًا.
التوظيف السياسي للكوارث: لعبة الجماعات الدينية
الجماعات الدينية تستغل الكوارث الطبيعية لخدمة أهدافها السياسية.فإذا حدثت كارثة في دولة معادية لهم، ادعوا أنها "غضب إلهي"، أما إذا لحقت بهم الكارثة نفسها، زعموا أنها "ابتلاء"! وهو تناقض يشبه أمثالنا الشعبية المتناقضة التي تقول مرة: "النار مبتصبش مؤمن"، وفي مرة أخرى:"المؤمن مصاب".
رائع يا صديقي .. دايما بتجيب السهل الممتنع
ردحذفتحليل متميز ومتوازن احسنت
ردحذف