العوا يكشف قناعه الإخواني: أنا صاحب شعار "الإسلام هو الحل" .. والهلالي خارج عن الملة!



كتب - عبد السميع جميل

كلما ظننت أن عجلة الزمن تدور إلى الأمام، حاملة معها فرص التغيير والتطوير في أكثر الوجوه تشدداً في صفوف الجماعات الدينية المتطرفة، تباغتني صفعة الواقع المؤلم لتعيدني خطوات إلى الوراء. المثال الأبرز هنا كان الدكتور محمد سليم العوا، الذي توهم البعض أن تقلبات الزمن ستجعله يعيد النظر في إرثه المتخم بالتحريض الديني وإثارة الفتن الطائفية، غير أن الرجل عاد ليذكرنا بأنه لم يتغير منذ خرج عبر قناة الجزيرة في برنامج "بلا حدود"، مدعياً أن المسيحيين في مصر يخبئون أسلحة مهربة من إسرائيل داخل الكنائس، مفجّرًا أزمة طائفية كادت تعصف بالنسيج الوطني حينها، قبل أن يتراجع تحت ضغط الغضب الشعبي زاعمًا أنه أسيء فهمه.
العوا، الذي ارتبط اسمه طويلاً بالدفاع المستميت عن الجماعات الإسلامية المتطرفة، ووقف في ساحات المحاكم مدافعًا عن محمد مرسي ومحمد بديع وقيادات الإخوان المسلمين وخلايا حزب الله في مصر، لم يتوانَ يومًا عن مهاجمة أصوات التنوير والعقلانية، ولم تثنيه هزيمته في مناظرته المجهولة مع الدكتور فرج فودة، التي سبقت اغتياله، من تكرار ذات الدور المسموم بلا مراجعة أو ندم.
اليوم، يعود العوا من بوابة منصة "ذات مصر"، متسلحًا بذات العبارات المكرورة، ليستأنف هجومه على الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، الذي اجتهد وأبدى رأيًا فقهيًا في قضية المساواة في المواريث، فانهال عليه العوا بوابل من الاتهامات بالتكفير، مدعيًا أن الهلالي خرج عن الملة، مطالبًا شيخ الأزهر أحمد الطيب بإحالته إلى مجلس تأديب وإجباره على الاعتذار العلني على نفس الشاشة التي أطلق منها هذه التصريحات، في مشهد يذكرنا بمحاكم التفتيش التي ظننا أن زمنها قد ولى.
في حديثه، استعاد العوا هوايته القديمة في نسج نظريات المؤامرات، زاعمًا أن الهلالي ليس سوى أداة بيد أطراف خارجية تهدف إلى النيل من الإسلام، ولمّح إلى وجود جهات تدعمه وتوجهه، مهددًا السلطة السياسية بطريقة غير مباشرة بأنها تتحمل نفس أوزاره إذا استمرت في دعمه أو السماح له بالظهور الإعلامي!، فيما يشبه ابتزاز السلطة وتحريضها على الهلالي!
الأكثر إثارة للدهشة أن العوا اعترف دون أي حرج بأنه لم يشاهد تصريحات الهلالي أصلا، مكتفيًا بما سمعه ليبني عليه جبالًا من التكفير والتحريض، دون أدنى محاولة للتثبت أو الفهم. وزاد على ذلك حين قلل من شأن الهلالي بدعوى أنه لم يقرأ له سوى مقال قديم عن حق السعاية، واعتبر نقل الهلالي لفتوى ابن عرضون في هذا المقال مثالاً على الجهل وعدم المعرفة بأصل الفتوى نفسها!.
المفارقة أن العوا استشهد بآية "فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ" في محاولة لإغلاق الباب أمام أي نقاش حول قضية المواريث، رغم أن هذه الآية نفسها وردت عقب آية الوصية التي اعتبرتها كتب الفقه منسوخة ومبدلة بآيات المواريث، وكأن العوا يناقض نفسه دون أن يدرك حجم التناقض الذي وقع فيه.
لم يكن حديث العوا خاليًا من مفاخرة بأدواره السابقة في خدمة مشروع جماعة الإخوان، فقد زعم بكل فخر أنه أول من صاغ شعار جماعة الإخوان المسلمين الشهير: "الإسلام هو الحل"، موضحًا إنه شارك في نحت هذا الشعار إلى جانب عادل حسين، وقال بلا مواربة: "هذا الشعار نحت من قبل شخصين، أنا وعادل حسين، أنا طرحت الفكرة، فأيدها".
لكن الحقيقة التي تجاهلها العوا عمدًا، أن هذا الشعار لم يكن من ابتكاره كما حاول أن يوحي، بل سبق استخدامه من قِبل خالد الزعفراني، القيادي الإخواني المنشق، الذي وضعه عنوانًا لكتابه "الإسلام هو الحل" الصادر عام 1979، أي قبل الواقعة التي أشار إليها العوا بتسع سنوات كاملة. هذا العنوان تحوّل لاحقًا إلى شعار انتخابي شهير لتحالف الإخوان مع حزبي العمل والأحرار في انتخابات 1987، ثم استمر استخدامه في كل الانتخابات التالية حتى صار الشعار الحصري للجماعة بعد تجميد حزب العمل.
العوا تجاوز كل هذه الحقائق، متغافلًا أن هذا الشعار لطالما استخدم لبيع الوهم للبسطاء تحت ستار الدين، موحيًا بأن الدين يحمل حلولًا سحرية لكل مشاكلهم الحياتية من التعليم والصحة إلى الإسكان والطاقة والصرف الصحي، في حين أنها في الحقيقة مشاكل دنيوية يتطلب حلها العمل الجاد والبحث العلمي المستمر، دون إدعاء بامتلاك حل سحرية لها في أي دين من الأديان، إلا عند تجار الدين الذين يريدون استغفال الناس والتلاعب بمشاعرهم الدينية لتحقيق مكاسب سياسية.
واللافت أن العوا لم يشر إلى الشعار الأول الذي تبنته الجماعة في الانتخابات، وهو شعار كان يحمل نبرة تكفيرية واضحة: "عودي يا مصر إسلامية"، وكأن مصر قد خرجت عن دينها! ذلك الشعار الذي وضع الجماعة حينها في مأزق بالغ الحرج، دفعهم لاحقًا إلى محاولة والتستر عليه بصياغة شعار بديل، وهو ما زعم العوا أنه قام به، ليؤكد مرة أخرى أننا أمام شخصية بارعة في التجارة بالدين في السياسة.
لقاء العوا لم يكن كاشفًا بدرجة غير مسبوقة عن وجهه الإخواني المتطرف فقط، بل تجاوز ذلك ليُظهر انفصاله التام عن الواقع وإصراره على اجترار نفس الخطاب الممجوج حول ما يسميه "انتصار حماس" في عملية السابع من أكتوبر، مدعيًا أن ما حدث يفوق في أهميته وقوته حرب أكتوبر عام 1973، في تصريحات تعكس حالة إنعدام قدراته العقلية على الفهم وتبلد قلبه من الإحساس بحجم الكارثة الإنسانية والسياسية التي خلفتها تلك العملية في غزة، كارثة لا تزال تهدد بإغلاق ملف القضية الفلسطينية تماما.
لم يتوقف العوا عند هذا الحد، بل حاول تبرير مشاهد الدماء والدمار التي خلفتها العملية، زاعمًا أن "كل هذه الدماء لا تساوي شيئًا أمام استعادة الأمة جزء من كرامتها"!. فقط لمجرد انحيازه الإخواني يغض الطرف عن معاناة أهل غزة، وعن خطر التهجير المحقق، بل وعن ضياع القضية الفلسطينية برمتها، حتى أن أحد قادة حماس أقر بأنه لو كان يعلم بهذه النتائج الكارثية لما أقدم على تلك العملية منذ البداية. ورغم ذلك، يواصل العوا الدفاع، متحدثًا باسم حماس، ومؤكدًا أنها لن تتخلى عن سلاحها أبدًا، بل وستعود لتقاتل من تحت الأرض إذا اضطرت.
المثير أن العوا لم يكتفِ بتبرير ما حدث، بل راح يحرض الشعوب العربية على حكوماتها، داعيًا الأفراد والجماعات إلى "الجهاد"، مؤكدًا أن هذا الواجب لا يسقط عن عاتق الفرد!. قالها بوضوح: "الجهاد لا يسقط عن عاتق الفرد! نعم واجب الجهاد ليس على مجموع الأمة فقط". معتبرًا "الجهاد أمر واجب وليس مجرد رخصة أو إذن أو إباحة"، في تجاهل تام لتعقيدات الواقع السياسي، ومتطلبات المصالح الوطنية لكل دولة. ورغم ذلك لعب دور المحرض الذي كان يتركه للصف الثاني من الجماعة ودعا صراحة "من ليس بيده القرار أن يدفع الحكومات ومن بيده القرار من الحكام إلى الوقوف مع المقاومة في مواجهة إسرائيل".
ولم يُلمح العوا في حديث إلى التحريض على الأنظمة العربية بشكل غير مباشر، بل صرح بمهاجمة دولة الإمارات، واتهمها صراحة بالتحالف مع إسرائيل، معتبرا اعتقالها عبد الرحمن القرضاوي ابن صديقه الإخواني يوسف القرضاوي، نوع من الظلم، معتبرا تجاوزات وبذاءة وتحريض ابن القرضاوي مجرد "شطط شعراء"، في حين اعتبر اجتهاد الدكتور الهلالي، الذي يتسم بالهدوء والعقلانية، نوعًا من الشطط الذي يستوجب المحاكمة والمحاسبة. يا للعجب، كيف تنقلب الموازين وتصبح الحكمة تهمة بينما يتحول الغلو والتطرف إلى مبرر ومسوغ!